فاجأتنا الحكومة بإعلان وزير الصناعة والتجارة الدكتور طارق قابيل، قرار خفض أسعار الغاز من 7 دولارات إلى 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية، وهو قرار صادم وغير مدروس، ولم تقدم الحكومة من خلاله أى مبررات مقنعة، وبالتالى سيظل سؤال المواطن المصرى والذى تتعامل معه الحكومة على أنه متلقى فقط، كيف نفهم قرار مجلس الوزراء بخفض أسعار الغاز لمصانع الحديد والصلب؟ 

 

الحكومة استندت فى قرارها العشوائى إلى أن مصانع الحديد والصلب وغيرها من الشركات والمصانع تأثرت منذ فترة طويلة بنقص الغاز، ولم تعد المصانع تعمل بكامل طاقتها، ولكن ليس كل المصانع تأثرت بسبب نقص الغاز، فهناك من تراكمت مديونياتها لدى القابضة للغازات، فى الوقت الذى وجهت فيه وزارة البترول أغلب الكميات لحل أزمة الكهرباء، والتى تم حلها بالفعل وتم التعاقد على كميات كبيرة من شحنات الغاز المسال من الخارج، كما تم استيراد مركبين للتغييز فى العين السخنة، وبالتالى تم ضخ الغاز لجميع المصانع ولم تعد هناك أى أزمات وانتظمت الصناعة والكهرباء معًا . 

 

أستطيع أن أفهم قرار الحكومة الأخير من زاوية أراها مهمة، وهى أنه بتخفيض سعر الغاز لمصانع الحديد والصلب من 7 دولارات إلى 4.5 دولار بالتأكيد سيعطى ميزات نسبية وتنافسية لمصنعى الحديد الذين يعتمدون على مكورات الحديد فى عمليات التصنيع عن نظرائهم من مصنعى الحديد الذين يعتمدون على الخردة فى عمليات التصنيع، وهو الأمر الذى يؤدى إلى إحداث تشوه فى هيكل الصناعة المحلية حيث يسمح بزيادة الفجوة فى التكلفة وبالتالى فى الربح بين المصانع المختلفة بالرغم من تصنيعهم لنفس المنتج النهائى. 

 

ولنفهم ذلك بشكل أكثر تفصيلا فلنا أن نعرف أن تكلفة مرافق صناعة طن الحديد عند سعر وحدة الغاز 7 دولارات تبلغ 1627 جنيهًا للطن للمصانع التى تستخدم مكورات الحديد وذلك بالمقارنة بـ2029 جنيهًا للطن للمصانع التى تستخدم الخردة، أما بعد تخفيض سعر وحدة الغاز إلى 4.5 دولار تبلغ تكلفة مرافق صناعة الحديد باستخدام مكورات الحديد 1380 جنيهًا مصريًا للطن وذلك بالمقارنة بـ1980 جنيها باستخدام الخردة، وإذا نظرنا إلى إجمالى استهلاك مصر من مكورات الحديد سنجد أنه يصل إلى 9 ملايين طن سنويًا ما يوازى 2.87 مليار متر مكعب الذى يوازى 106 ملايين وحدة حرارية وهى وحدة قياس الغاز، وهذا يعنى أن قرار تخفيض سعر الغاز من 7 دولارات إلى 4.5 دولار يكلف الدولة 265 مليون دولار سنويًا. 

 

هذه من سلبيات القرار الحكومى الأخير الذى منح بعض مصانع الحديد ميزات تنافسية على حساب مصانع أخرى، يضاف إلى ذلك أن مصانع الحديد والصلب التى تستورد المنتجات الخام من الخارج تستنفد من احتياطى النقد الأجنبى حيث توفر لها البنوك الدولار بالسعر الرسمى المعلن فى حين أن الدولة تتحمل مصاريف إضافية لتدبير العملة. 

 

بنظرة عامة لكل ما حدث ويحدث سنكتشف أن القرار الحكومى مخالف لحكم المحكمة الدستورية العليا الذى ينص على ضرورة المساواة فى الدعم الممنوح للمصانع التى تصنع نفس المنتج النهائى، حيث إن هذا القرار يميز بعض مصنعى الحديد عن غيرهم. 

 

يبقى السؤال الآن وما هو الحل، الحل يراه الكثير من الخبراء المتخصصين والمهتمين بضرورة إعادة النظر فى قرار تخفيض سعر الغاز بحيث تتم مراعاة فرق التكلفة بين المصانع المختلفة عند تقديم الدعم أو إلغائه، هذا هو الحل فهل تستجيب الحكومة أم تبقى على عنادها ومجاملاتها لرجال الأعمال.

 

........................

رأفت إيراهيم - اليوم السابع