حصل إنسان ما قبل التاريخ على الحديد من النيازك، ومن ثَمّ استخدمه في صناعة العُدَد والأسلحة ومكونات أخرى. وكلمة حديد تعني في العديد من اللغات القديمة فلز من السماء. ولقد استُخدم حديد النيازك في فترات قديمة جدًا يعتقد أنها تصل إلى أربعة آلاف عام قبل الميلاد. ولكن لا توجد أي أدلة مؤكدة تبين بداية استخدام الحديد المستخلص بالصهر والاختزال من الخامات الأرضية، أو تشير إلى المكان الذي بدأ استخلاص الحديد فيه لأول مرة.
ويُعتقد أن الحيثيين هم أول من عرف الحديد بكميات ضخمة. وقد عاشوا فيما يعرف الآن باسم تركيا. وفي عام 1400 ق.م. اكتشف الحيثيون كيفية تصنيع الحديد وأساليب تصليد العُدد والأسلحة الحديدية. وحول هذه الفترة نفسها تقريبًا طوّر سكان كل من الصين والهند طرقًا وأساليب لاستخلاص الحديد. وعندما وصل العالم إلى القرن العاشر قبل الميلاد كانت معظم الحضارات القديمة حينذاك قد توصلت إلى تقنيات تصنيع الحديد، وهكذا بدأ العصر الحديدي.
اتسمت أفران استخلاص الحديد الأولية بالضحالة وعدم العمق. وكانت مجمراتها تشبه الطبق، وكان يُسخّن خام الحديد مع الفحم النباتي في مجمرة الفرن. وبعد مرور عدة ساعات على بدء التسخين يفقد خام الحديد أكسجينه إلى الكربون الساخن المحيط به، ويتحول الخام إلى فلز الحديد في صورة لامعة. ولم يكن يُستخدم فلز الحديد الناتج مباشرة، ولكن يعاد تسخينه مرارًا وفي كل مرة يُطرق للتخلص من بقية الشوائب القصيفة الصلدة وعل الأخص الكربون الذي يجعل الحديد هشا. وتمكن صُنَّاع الحديد نحو عام 1200م من إعادة تسخين وتشكيل وتبريد الحديد المستخلص لإنتاج وتصنيع الحديد المطاوع. وقد كانت خواص الحديد المطاوع الناتج تشبه إلى حد بعيد خواص الفولاذ الكربوني المنتج في العصور الحديثة حيث يحتوي على كمية قليلة من الكربون.
وسرعان ما تعلم صناع الحديد أن نفث الهواء خلال قصبات أو ودنات إلى الفرن، ترفع إلى حد كبير درجة الحرارة، وكان لذلك الاكتشاف أثره الكبير في تحسين نوعية الحديد المنتج. وفيما بعد استخدم صنّاع الحديد أداة أو جهازًا أطلق عليه الكير يقوم بدفع الهواء خلال القصبات إلى الفرن. وتمكن صناع الحديد نحو عام 700م في منطقة قطالونيا ـ وهي تقع الآن في شمال شرقي أسبانيا ـ من التوصل إلى أفضل صورة لمجمرة فرن استخلاص الحديد. وعرف ذلك الفرن عندئذ باسم كوركتلان، وكان الهواء يضغط عند قاعدة الفرن ويدفع إلى الداخل باستخدام الطاقة المائية. وبلغت طاقة إنتاج كوركتلان حوالي 160 كجم من الحديد المليف كل خمس ساعات. وهذا الإنتاج أكبر بكثير من إنتاج الأفران السابقة.
حضّر يعقوب بن إسحاق الكندي (ت 260هـ، 873م) أنواعًا من الحديد الفولاذ بأسلوب المزج والصهر، فقد مزج كمية من الحديد المطاوع، وكان يسمى الزماهن، وكمية أخرى من الحديد الصلب (الشبرقان) وصهرهما معًا ثم سخنهما إلى درجة حرارة معلومة بحيث نتج عن ذلك حديد يحتوي على نسبة من الكربون تتراوح بين 0,5 و 1,5%. وعندما تحدث ابن سينا (ت 428هـ، 1037م) عن النيازك قسمها إلى نوعين حجري، وحديدي وهو نفس التقسيم المتبع في الوقت الراهن.
أما في أوروبا لم تتطور طرق وأساليب تشكيل الحديد المنصهر في صورة منتجات استهلاكية مناسبة بصورة مرضية حتى حلول عام 1500م. وفي بداية القرن الثامن عشر الميلادي بدأ صناع الحديد البريطانيون في استخدام الكوك بدلاً من الفحم النباتي في الأفران العالية نظرًا لنقص الأخشاب، وهي المصدر الأساسي للفحم النباتي.
يُعد ابراهام داربي أول من تمكن من تكويك الفحم الحجري وإنتاج الكوك، ومن ثَمّ استخدم الكوك في إنتاج الحديد عام 1709م في بلدة كولبروكديل في مقاطعة شروبشاير في إنجلترا. وفي أواخر القرن الثامن عشر تمكن كل من ابن أبراهام داربي وحفيده من تحسين أسلوب التكويك الذي بدأه رب الأسرة. وقد أدت أعمال هذه العائلة إلى قيام الثورة الصناعية التي بدأت في بريطانيا بإنتاج الحديد الزهر ومن ثم استخدامه في المباني والآلات. وقد نقل المهاجرون الأوروبيون هذه الصناعات ونشروها بعد ذلك في أرجاء العالم.
أُنتجت أول كمية من الفولاذ في العصر الحديدي، ولو أن الكمية المنتجة كانت صغيرة. وعلى سبيل المثال فقد صنع مواطنو منطقة هيا التي تقع في شرق السودان الفولاذ في أفران أسطوانية خاصة. كما صنعت في الهند نحو عام 300 قبل الميلاد كتل ضخمة من الحديد الإسفنجي التي أعيد تشكيلها ثم تسخينـها لإنتـاج مايسـمى بفولاذ ووتز. ومع بداية القــرن الخامس الميلادي تمكن الصينيون أيضًا من إنتاج الفولاذ.
وفي العصور الوسطى أنتج الأوروبيون كميات صغيرة من الفولاذ، لكن الكميات كانت شحيحة بدرجة كبيرة إضافة إلى ارتفاع التكلفة. وفي عام 1740م تمكن صانع ساعات بريطاني يدعى بنجامين هنتسمان من اختراع أسلوب البوتقة لصناعة الفولاذ، وهي تشبه إلى حد بعيد الأسلوب الذي كان متبعًا في إنتاج فولاذ ووتز. وقام هونتسمان بإعادة صهر وتنقية قضبان من الحديد المطاوع عالية النوعية في بواتق (مراجل صهر). وكانت طريقة هنتسمان لإنتاج الفولاذ بطيئة، وتتطلب قدرًا كبيرًا من العمل الشاق، إضافة إلى أن أضخم البواتق لا يمكنها إنتاج أكثر من 45 كجم من الفولاذ في المرة الواحدة.
لم تطبق أولى الطرق الحديثة لإنتاج الفولاذ بكميات كبيرة وبتكلفة مقبولة إلا في منتصف القرن التاسع عشر. وعرفت هذه الطريقة باسم طريقة بسمر ، وذلك على اسم مخترعها ومطورها هنري بسمر، وهو صانع فولاذ بريطاني. ولقد تمكن صانع حديد أمريكي اسمه وليم كلي، في الفترة نفسها تقريبًا، من تطوير أسلوب مماثل لأسلوب بسمر في إنتاج الفولاذ دون علم بنتائج أبحاث بسمر. وعلى الرغم من نجاح كل من بسمر وكيلي في إنتاج الفولاذ، إلا أن جهودهما لم يكن ليكللها النجاح دون الاستفادة من اختراع روبرت موشيه الذي توصل إليه في عام 1857م. وموشيه عالم فلزات بريطاني، وجد أن إضافة سبيكة الحديد ـ الكربون ـ المنجنيز المعروفة باسم تماسيح الحديد المنجنيزي، أثناء عملية تنقية الحديد تساعد على إزالة الأكسجين وضبط نسبة الكربون في الفولاذ المنتج.
قامت طريقة بسمر لتصنيع الفولاذ على صب حديد التمساح المنصهر الناتج من الفرن العالي في وعاء كمثري الشكل يعرف باسم المحول، ثم حقن الهواء في الحديد المنصهر من خلال قصبات مثبتة في قاع المحول. وبمجرد تلامس الهواء المدفوع في المحول مع الحديد المنصهر، فإن أكسجين الهواء يتفاعل بسرعة مع شوائب الحديد. وتؤدي تفاعلات الأكسجين مع الشوائب، بالإضافة إلى مفعول تماسيح الحديد المنجنيزي إلى تحويل حديد التمساح إلى فولاذ.
وقد سُجلت براءة اختراع تصنيع الفولاذ بأسلوب «بسمر» باسم مخترعها في بريطانيا عام 1860م. وفي عام 1870م بدأ إنتاج الفولاذ فعليًا بهذه الطريقة في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
ظهرت طريقة فرن المجمرة المكشوفة لإنتاج وتصنيع الفولاذ بعد انتشار طريقة بسمر مباشرة. ففي عام 1856م تمكن اثنان من العلماء، ألمانيّا المولد ولكنهما نشآ وعاشا في بريطانيا، هما الأخوان وليم وفريدريك سيمنز، من اختراع فرن إعادة توليد الغاز. ويستخدم هذا الفرن المخلفات الغازية لتسخين كل من الوقود والهواء قبل دخولهما إلى الفرن. وفي عام 1864م تمكن أخوان فرنسيان هما بيير وأميل مارتن، من تصنيع وإنتاج الفولاذ في فرن بناه مهندسو شركة سيمنز، ولهذا يطلق على أسلوب إنتاج الفولاذ بهذه الكيفية طريقة سيمنز ـ مارتن لتصنيع الفولاذ، وهي الطريقة التي عرفت بعد ذلك باسم فرن المجمرة المكشوفة. وقد تميزت طريقة المجمرة المكشوفة لإنتاج الفولاذ عن طريقة بسمر لإنتاج الفولاذ، بعدد من السمات أهمها إمكانية استخدامها لإنتاج الفولاذ من الخردة، بالإضافة إلى إمكانية التحكم بدرجة كبيرة في التركيب الكيميائي للفولاذ الناتج. ونتيجة لمميزات طريقة فرن المجمرة المكشوفة لإنتاج الفولاذ، فقد بدأ عدد وحدات محولات بسمر في التناقص منذ عام 1910م وأصبحت محدودة العدد، وإن ظلت الوحدات التي أنشئت قديمًا في الإنتاج حتى الستينيات من القرن العشرين.
وفي عام 1878م أثبت وليم سيمنز إمكانية إنتاج الفولاذ في فرن القوس الكهربائي. ونظرًا لأن كمية الكهرباء المتوفرة في ذلك الوقت كانت محدودة كما أنها كانت باهظة التكلفة، فلم يُستخدم هذا الأسلوب لتصنيع الفولاذ بكميات تجارية في ذلك الوقت. وفي عام 1899م أنشأ بول هيرولت في فرنسا أول وحدة لإنتاج الفولاذ فعليًا بصورة تجارية من أفران القوس الكهربائي.
بعد ظهور طريقتي بسمر وفرن المجمرة المكشوفة لتصنيع وإنتاج الفولاذ، توسعت صناعة الفولاذ ونمت بسرعة كبيرة. ولأن بريطانيا كانت تمتلك ترسبات غنية من خام الحديد، فقد كانت أكبر دول العالم في صناعة الحديد والفولاذ، في منتصف القرن التاسع عشر، كما أنها كانت أكثر دول العالم في التقدم التقني في هذا المجال.
ومع بداية الثمانينيات من القرن التاسع عشر وحتى الآن، بدأت بعض الدول الأخرى في الظهور في مجال بناء صناعة الفولاذ، حيث اكتشف الجيولوجيون في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي ترسبات غنية من خامات الحديد في منطقة البحيرات العظمى في الولايات المتحدة الأمريكية. وأدى ذلك الاكتشاف إلى تطور ضخم في صناعة الفولاذ في الولايات المتحدة. وقد أنشأ أندرو كارنيجي في عام 1873م أول مصنع ضخم لإنتاج الفولاذ في الولايات المتحدة الأمريكية، كما بدأت كل من فرنسا وألمانيا وروسيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى في بناء مصانع كبيرة لإنتاج الفولاذ. وبحلول بدايات القرن العشرين كانت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا تتصدران دول العالم المنتجة للفولاذ، وكان إنتاج كل دولة منهما أكثر من إنتاج بريطانيا.
وبحلول عام 1901م ظهرت دول أخرى منتجة للفولاذ في كل من آسيا والأمريكتين كما بدأت أستراليا عام 1915م في إنتاج الفولاذ.
استخدم معظم الفولاذ المنتج في نهاية القرن التاسع عشر في صناعة قضبان السكك الحديدية. وفي بداية القرن العشرين زاد إنتاج الفولاذ كثيرًا لمقابلة الزيادة في الطلب عليه ونجاحه في صناعة السيارات التي نمت بسرعة كبيرة بالإضافة إلى حاجة الكثير من المنتجات الأخرى إلى الفولاذ. وصاحب زيادة إنتاج الفولاذ تطوير طرق حديثة لإنتاجه روعي فيها زيادة الإنتاجية. كما شمل التطور أيضًا التوصل إلى طرق جديدة لعمليات الدلفنة وتشكيل الفولاذ إضافة إلى استنباط العديد من سبائك الفولاذ الجديدة ذات الخواص المتفوقة.
وأثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945م)، دُمِّرت معظم مصانع الفولاذ في العالم فيما عدا مصانع الولايات المتحدة الأمريكية. ونتيجة لذلك احتكرت شركات الفولاذ الأمريكية إنتاج الفولاذ وأسواقه في العالم كله لفترة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من ذلك فقد أعادت اليابان وأيضًا الكثير من الدول الأوروبية بناء مصانعها لإنتاج الفولاذ في الخمسينيات من القرن العشرين. وتميزت وحدات الفولاذ حديثة الإنشاء باستخدام أحدث التقنيات لإنتاج الفولاذ بما فيها أسلوب الأكسجين القاعدي واستخدام طريقة صبات الجديلة. ونتيجة تحديث مصانع الفولاذ التي أنشئت حديثًا تفوقت المصانع اليابانية ومصانع دول وسط أوروبا في نوعية وكمية الإنتاج على مصانع الفولاذ في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا اللتين استمرتا في استخدام الأساليب القديمة والمعدات متدنية الكفاءة.
وتقلصت صناعة الفولاذ في بريطانيا بصورة كبيرة على الرغم من أنها كانت الدولة المطورة لأساليب إنتاج الفولاذ والمصنعة له بكميات كبيرة قبل أي دولة أخرى في العالم. وتتحكم الحكومة البريطانية في هيئة الفولاذ البريطانية، والأخيرة هي المالك الأساسي لصناعة الفولاذ في بريطانيا. وقد أغلقت الهيئة في بداية الثمانينيات من القرن العشرين عددًا كبيرًا من المصانع الضخمة لإنتاج الفولاذ. وفي الفترة نفسها تقريبًا، فقدت بريطانيا أيضًا أفضل ترسبات خامات الحديد بعد استنزافها. وعلى الرغم من المصاعب التي تواجه صناعة الفولاذ في بريطانيا، إلا أن هيئة الفولاذ البريطانية بدأت في فترة الثمانينيات من القرن العشرين تحديث أساليب واستخدام أفضل التقنيات لإنتاج الفولاذ تمهيدًا لنقل ملكية صناعة الفولاذ إلى القطاع الخاص تحت اسم الفولاذ البريطاني. وعلى الرغم من كل هذه المصاعب إلا أن الفولاذ لا يزال يؤدي دورًا بالغ الأهمية ويمثل جزءًا مهمًا من حجم التجارة البريطانية.
أعلنت مناطق خليفة الاقتصادية أبوظبي - مجموعة كيزاد، أكبر مشغل للمناطق الاقتصادية المتكاملة والمتخصصة، وشركة "بايبتيك سوليوشنز مانوفاكتشرنغ" ومقرها في دولة الإمارات العربية المتحدة، عن توقيع اتفاقية مساطحة تمتد...المزيد
صرّح أمين عام اتحاد الغرف السعودية، وليد العرينان، إن هناك 350 شركة تركية مهتمة بالاستثمار في المملكة، ودور اتحاد الغرف التجارية تمكين الشركات الأجنبية من الدخول للسوق وربطها بالمستثمرين السعوديين.المزيد
أصدرت منظمة الصلب العالمية (وورلد ستيل) توقعاتها لعامي 2024 و2025، وتوقعت أن ينخفض الطلب العالمي على الصلب بنسبة 0.9 في المائة هذا العام إلى 1.75 مليار طن ثم يرتفع بنسبة 1.2 في المائة في عام 2025 إلى 1.77 مليار طن، بعد ثلاث سنوات من...المزيد