تقارير

ko

«اقتصاد المعلومات» و«أمن المعلومات»

الأربعاء 29 أغسطس 2012 10:46 مساءً المشاهدة(1527)

 

إلى وقت قريب، كانت ''الفلوس'' أهم مصدر للثروات في العالم، بها تُعرف قيمة الدول والمجتمعات والأفراد على حد سواء، وانسحب أثر ذلك في تقسيم المجتمع إلى فئات لا تزال تشكل في الذاكرة خزيناً كبيراً تتنازعه الطبقات البرجوازية، والإقطاعية من جهة، والطبقات الفقيرة أو التي ترزح تحت خط الفقر من جهة أخرى، حتى اختفى هذا المفهوم ـــ أو كاد ـــ ليظهر بدلاً منه مفهوم جديد للثروة مع بدايات الألفية الثانية.
 
نعم، بدأ عصر الثورة المعلوماتية، وتكونت بموجبه الثروة المعلوماتية، وبين الثورة والثروة علاقة تغيير هائلة، تثبت أن المضي في الطريق الصحيح يحتاج إلى قرار مستند إلى ''معلومة''، وعلى هذا المنوال ظهر اقتصاد المعلومات أو ما يعرف بـ information economy وانتشر بشكل واسع بعد انتشار استخدام الإنترنت في العالم مطلع عام 1990، وأصبحت شركات تقنية المعلومات من أكبر الشركات في العالم أمثال: ''مايكروسوفت''،، و''أبل''، وفيسبوك التي تقدر قيمتها السوقية بالمليارات وتتفوق على ميزانيات بعض الدول، كل ميزاتها أنها تعتمد بشكل أساسي على المعلومات في دورتها الاقتصادية.
 
وانطلق التطور في تداول المعلومة ليمتد إلى مجالات أخرى، وقد لاحظنا مثل هذا الانتشار في الخدمات، حيث أصبحت أغلب الخدمات البنكية ممكنة الحصول من خلال الإنترنت، وتتم النشاطات التجارية بين الشركات الكبرى من خلال الإنترنت بما يعرف B2B، ولم يتوقف تطور تقنية المعلومات عند هذا الحد في تسهيل الخدمات والإجراءات حتى أصبح هناك مصطلح جديد يعرف باسم ''الحكومة الإلكترونية e-government''
 
ولم يتوقف التطور التقني عند هذا الحد، بل أصبحت لدينا مراكز تحكم إلكترونية تدير الشركات الكبرى من ناحية تشغيل المصانع ومولدات الطاقة الكهربائية وغيرها من المصالح الحيوية، والهدف من هذا كله رفع الإنتاجية والجودة في المنتج النهائي أو مستوى الخدمة.
 
إن المُعاصِر لجيل العمليات الورقية وأنظمة الإدارة التقنية ـــ أو ما يعرف ERP ـــ يعرف الفرق في سهولة وسرعة ودقة الانجاز بالقياس مع عصر المعلوماتية، فقسم الرواتب في الشركات الكبرى آنذاك كان يتكون من 50 إلى 100 موظف متخصص في إعداد رواتب الموظفين ونقلها ورقياً للبنوك، أما اليوم فلا يحتاج الأمر سوى عشرة موظفين كحد أقصى، حيث تؤدي أنظمة الشركة ERP System المربوطة مع البنوك عملية التحويل بطريقة إلكترونية دقيقة وعاجلة.
 
ولتوضيح أهمية اقتصاد المعلومات، تخيل أن هناك شركة تضم عشرة آلاف موظف يبلغ متوسط رواتبهم نحو عشرة آلاف ريال، لو تعطل أو تم اختراق نظام ERP الخاص بالشركة لمدة عشرة أيام، فهذا يعني أن الشركة ستخسر أكثر من 33 مليون ريال فقط في عشرة أيام، والسبب أنها دفعت رواتب من غير إنتاجية، وهذا الضرر غير المباشر على الشركة سيوقع ضرراً آخر على الشركات التي تعمل معها، إذ سيكون هناك تأخير في دفع مستحقاتها، وسيضطرون إلى تأخير رواتب موظفيهم، وبهذا سيحدث خللٌ في الدورة الاقتصادية داخل الدولة نفسها، وسيبلغ حجم الضرر على اقتصاد الدولة بحجم الكيان المتضرر.
 
إذن، في ضوء هذه المقدمة البسيطة حول المعلوماتية واقتصاد المعلومات، أعتقد أنه يجب إعادة النظر في أقسام تقنية المعلومات في الشركات كافة، وذلك بعدم اعتباره قسماً استهلاكياً، وإنما قسم إنتاجي مهم ومؤثر، وأن يتم استبعادها عن قرارات إعادة الهيكلة، أو خفض الإنفاق، فالشركات التي تقوم بهذا الأسلوب من التقشف تذكرنا بما حدث في الأزمة الاقتصادية التي ضربت أمريكا، حينما جاء المديرون التنفيذيون للشركات المتضررة بطلب الدعم الحكومي من الكونجرس الأمريكي بطائرات خاصة، وكان من الأولى تخفيض ميزانيات المديرين التنفيذيين لهذه الشركات، لذلك، لأن من يتهاون بأمر إدارات تقنية المعلومات ولا يقدر قيمة المعلومات التي يمتلكها، كان كمن يضع كنزاً بلا حراسة، في صورة تشبه تماما قيام البنوك بوضع أموالها في أكياس، ومن دون حراسة.
 
إن التقليل من أهمية أمن المعلومات أمر خطير جدا على أمن الدول، وقد شهدنا في الفترة الماضية قيام العديد من الشركات الكبرى في المملكة بتوظيف موظف بتقنية المعلومات بنظام المقاول وليس بنظام التعيين المباشر في الشركة، وسؤالي للمسؤولين عن ذلك: كيف تريد من هذا الموظف أن يكون له ولاء لك ولشركتك؟، والأخطر من ذلك، أنه ليس من أبناء البلد، تصور أنك تذهب إلى مكتب الأحوال المدنية، ويستقبلك موظف غير سعودي، هل هذا منطقي أو مقبول؟ فكيف يمكن إذن أن نقود حروباً ''إلكترونية'' متوقعة بغير أيادينا؟، لذلك، يجب أن نعرف من يعمل لدينا في إدارات تقنية المعلومات، وأن نبدأ ببناء وتدريب ملكات وطنية مؤهلة تقوم بهذا الدور وبأقصى سرعة.
 
إن اقتصاد المعلومات لا يقتصر على ما ذكرت، فمن خلاله أيضاً، نستطيع أن نتحول إلى الاقتصاد المعرفي وهو مبني على اقتصاد المعلومات، كما أن اقتصاد المعلومات يحتاج إلى أرقام وإحصائيات، وهذا ما نفتقده مع الأسف في هذا الوطن الغالي، فمتى يكون لدينا أرقام وإحصائيات تنشرها الوزارات أو الهيئات الحكومية التي تهتم بهذا الموضوع، وكيف يمكن أن نتصور عملية اتخاذ قرار في ظل غياب معلومات مهمة تسلط الضوء على أبعاده؟ هل تعلمون أن الولايات المتحدة بدأت موضوع اقتصاد المعلومات من وزارة التجارة في عام 1914، ونحن اليوم في العقد الأول من الألفية الثالثة وزيادة، فمتى يكون لدينا تصنيف دقيق لشركتنا لكي نكون مستعدين لما أرقى، أو متحسبين لما هو قادم؟
 
لا بد أن نتعلم من دروس الاختراق الذي تم في مفاعل بوشهر الإيراني من دون الاتصال بالإنترنت، فاختراقات بهذا المستوى يمكن أن تطول كل أحد، وتحتاج إلى جهود بمستويات أعلى، أجزم قطعاً بأن في الوطن الغالي من الإمكانات المادية والمعرفية والمهنية ما يحقق هذا الغرض، وعلينا أن نبدأ في اتخاذ الخطوة الأولى، قبل أن يفوت الأوان.
عمر الجريفاني



اسفل الاخبار
arkan
incosteel news
infit- news
soy

اخبار متعلقة

إحصائيات: مصر تتصدر الدول العربية والإفريقيا بإنتاج الصلب خلال مايو..وأرتفاع5.4%بإنتاج الصلب العالمي
المشاهدة(4940)

مروة صبحي  خاص- شبكة الحديد والصلب   أعلـن "إتحاد الصلب العالمي" World Steel اليـوم الإثنين 24 يونيو الجاري.. عن زيادة 5.4% بإنتاج الصلب خلال مايو (آيار) 2019 والذي بلـغ ..... المزيد

تقرير: 4.9% تراجعا في صادرات السيارات الصينية خلال فترة يناير- مايو
المشاهدة(4081)

صدرت الصين 392 ألف مركبة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2019، بانخفاض 4.9 بالمئة على أساس سنوي، وفقا لبيانات ..... المزيد

الإمارات: نمو اقتصاد الإمارات 2.2% على أساس سنوي في الربع الأول
المشاهدة(3539)

أظهر المؤشر الاقتصادي المركب المعزز الفصلي للأنشطة غير النفطية - الذي يعده مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي - نمو القطاع غير النفطي..... المزيد

اضف تعليق