اخبار عربية

ko

الهيدروجين الأخضر في الشرق الأوسط: ثورة حقيقية أم فقاعة استثمارية جديدة؟

الأحد 18 مايو 2025 01:02 مساءً المشاهدة(81)

 
في ظل السباق العالمي نحو الطاقة النظيفة وخفض الانبعاثات، برز الهيدروجين الأخضر كأحد أكثر الحلول إثارة للجدل والطموح في آنٍ واحد. وبينما تسعى الاقتصادات الكبرى لإعادة رسم خريطة الطاقة العالمية، دخلت دول الشرق الأوسط –وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر– بقوة هذا الميدان، معلنةً مشاريع ضخمة واستثمارات بمليارات الدولارات، تهدف إلى تحويل الصحراء إلى مصدر عالمي للهيدروجين النظيف.
 
لكن وراء هذه الوعود المتفائلة، تُثار تساؤلات حقيقية: هل تمتلك المنطقة القدرة على منافسة الأسواق العالمية من حيث تكلفة الإنتاج؟ وهل الطلب العالمي كافٍ لتبرير هذه الطفرة الاستثمارية؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه رهانات مبكرة قد تنضم إلى قائمة فقاعات الطاقة الطموحة التي سبقتها؟ هذا المحتوى يحاول تفكيك المشهد، وتحليل الأبعاد الاقتصادية والجيوسياسية لما يُروّج له بوصفه "نفط المستقبل".
 
مصر وعُمان تتصدران مشروعات الهيدروجين الأخضر من حيث العدد بنهاية الربع الأول لـ2022 - المصدر: بلومبرغ
 

ما الهيدروجين الأخضر؟ وما أنواع الهيدروجين الأخرى؟

الهيدروجين الأخضر هو وقود يُنتج عبر عملية التحليل الكهربائي للماء باستخدام كهرباء مولدة من مصادر متجددة مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح. ولا يُنتج أي انبعاثات ضارة، ما يجعله خياراً واعداً لتحقيق أهداف الحياد الكربوني وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
 
هناك أيضاً الهيدروجين الرمادي الذي ينتج من الغاز الطبيعي مع انبعاثات كربونية عالية، والأزرق بالطريقة نفسها مع احتجاز الكربون، أما الوردي فيُولّد بالكهرباء النووية، والأسود أو البني هو الأكثر تلوثاً ويستخرج من الفحم.
 
 

لماذا تحوّل الشرق الأوسط فجأة إلى الهيدروجين الأخضر؟

تحوّل الشرق الأوسط مؤخراً إلى الاستثمار في الهيدروجين الأخضر نتيجة لتقاطع عوامل اقتصادية واستراتيجية. فمن الناحية الاقتصادية، تسعى دول مثل السعودية والإمارات إلى تنويع مصادر دخلها بعيداً عن النفط والغاز، مستفيدةً من مواردها الوفيرة من الطاقة الشمسية والرياح لإنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة منخفضة. 
 
من الناحية الجيوسياسية، تسعى هذه الدول إلى تعزيز مكانتها كمراكز رئيسية في سوق الطاقة النظيفة العالمية. فمع تزايد الطلب الأوروبي والآسيوي على الهيدروجين الأخضر، تُعد المنطقة موقعاً مثالياً لتصدير هذا الوقود النظيف، مما يمنحها نفوذاً جديداً في معادلة الطاقة العالمية.
 

ما أبرز مشروعات الشرق الأوسط في الهيدروجين الأخضر؟

مصر: وقعت الدولة أربع اتفاقيات كبرى العام الماضي لإنتاج الأمونيا الخضراء، وتشمل اتفاقية مع شركة "داي إنفراستركشر" (DAI Infrastruktur) الألمانية بقيمة 11 مليار دولار لإنشاء مشروع بميناء شرق بورسعيد، واتفاقية مع شركة "أوكيور إنيرجي" (Ocior Energy) الهندية بقيمة 4.25 مليار دولار لإنشاء مشروع بميناء العين السخنة.
 
كما أبرمت اتفاقية مع تحالف "طاقة عربية" و"فولتاليا" (Voltalia) الفرنسية بقيمة 3.46 مليار دولار لمشروع بميناء السخنة، واتفاقية مع تحالف يضم "بريتيش بتروليوم"، و"مصدر" الإماراتية، و"حسن علام" للمرافق، و"إنفينيتي باور" القابضة، بقيمة 14 مليار دولار لتطوير محطة بميناء السخنة.
 
كذلك اتفقت مصر وفرنسا في أبريل الماضي على إنشاء محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، بما في ذلك الأمونيا الخضراء، بتكلفة إجمالية 7 مليارات يورو ممولة من القطاع الخاص.
 
وبحسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي في مشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر 215.5 مليار دولار في الفترة من 2021 إلى 2023.
 
السعودية: تعمل المملكة على تطوير واحد من أكبر مشاريع الهيدروجين الأخضر في العالم بمدينة أوكساچون بمنطقة نيوم، بتكلفة تبلغ 8.4 مليار دولار لإنتاج 600 طن يومياً من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2026، بالشراكة بين "نيوم" و"أكوا باور" و"إير برودكتس".
 
حصل المشروع على تمويل بلا حقّ الرجوع بقيمة 6.1 مليار دولار من 23 مصرفاً ومؤسسة استثمارية. كما وقّعت "إير برودكتس" عقداً حصرياً لشراء كامل إنتاج المشروع لمدة 30 عاماً، في خطوة تعكس الثقة العالمية في الجدوى التجارية للهيدروجين الأخضر في المملكة.
 
الإمارات: تستهدف الاستحواذ على 25% من سوق الهيدروجين العالمية بحلول 2030، وأبرز المشاريع تشمل مشروع الهيدروجين الأخضر في دبي الذي نفذته هيئة كهرباء ومياه دبي بالتعاون مع "إكسبو 2020 دبي" و"سيمنس إنرجي"، ويُنتج نحو 20 كيلوغراماً من الهيدروجين الأخضر في الساعة، بإجمالي إنتاج بلغ 90 طناً منذ إطلاقه في مايو 2021، مما أسهم في خفض 450 طناً من الانبعاثات الكربونية.
 
كما تسعى شركة "مصدر" لإنتاج مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً بحلول 2030، من خلال مشاريع استراتيجية تشمل إنتاج الأمونيا الخضراء والميثانول ووقود الطيران المستدام، بالتعاون مع شركاء دوليين.
 
عُمان: وقّعت شركة "هيدروم" (Hydrom) اتفاقيتين بقيمة 11 مليار دولار مع تحالفات دولية تشمل "إيه دي إف رينيوابلز" (EDF Renewables) الفرنسية، و"جيه باور" (J-POWER) اليابانية، و"أكتيس" (Actis) البريطانية، و"فورتيسكيو" (Fortescue) الأسترالية، لتطوير مشاريع في محافظة ظفار، بهدف إنتاج 1.38 مليون طن سنوياً من الهيدروجين الأخضر بحلول 2030.
 
كما تم توقيع اتفاقيتين إضافيتين مع تحالف "بوسكو-إنجي" (POSCO–ENGIE) وتحالف "هايبورت الدقم" (HYPORT Duqm) بقيمة تقارب 10 مليارات دولار، لإنتاج 250 ألف طن سنوياً من الهيدروجين الأخضر، باستخدام 6.5 غيغاواط من الطاقة المتجددة. تستهدف السلطنة إنتاج أكثر من مليون طن سنوياً من الهيدروجين الأخضر بحلول 2030، وصولاً إلى 8 ملايين طن بحلول 2050، باستثمارات إجمالية تصل إلى 140 مليار دولار.
 

هل تملك دول الشرق الأوسط ميزة تنافسية في تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر؟

تمتلك دول الشرق الأوسط مقومات قوية تجعلها قادرة على منافسة الأسواق العالمية في تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر بفضل وفرة الأراضي الصحراوية، وشدة الإشعاع الشمسي، وانخفاض تكلفة الطاقة المتجددة.
 
أظهر تقرير تقييم جاهزية الهيدروجين الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمي العام الماضي أن مصر هي الأكثر تنافسية في إنتاج الهيدروجين الأخضر، بتكلفة تتراوح بين 2.57 و6.69 دولار للكيلوغرام، وتهدف الدولة لخفضها إلى 1.7 دولار بحلول 2050.
 
أما عن أسعار الهيدروجين الأخضر.. ففي السعودية، تتراوح التكلفة بين 3.22 و3.98 دولار، وفي قطر بين 2.61 و3.31 دولار، فيما تبلغ التكلفة في عُمان 3.56 و4.35 دولار، وفي الإمارات 4.5 و5.38 دولار.
 
أما في أوروبا، فتتراوح التكلفة بين 4.13 و9.30 يورو للكيلو غرام بمتوسط 6.61 يورو للكيلوغرام، وفق المرصد الأوروبي للهيدروجين.
 
وفي الولايات المتحدة، تُقدّر التكلفة الحالية بحوالي 5 دولارات للكيلوغرام، مع توقعات بالانخفاض إلى نحو 1 دولار بحلول نهاية العقد، بدعم من حوافز ضريبية تصل إلى 3 دولارات للكيلوغرام، بحسب بيانات وزارة الطاقة الأميركية.
 
تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر في السعودية والمغرب في 2025 ستتراوح بين 1 إلى 1.25 يورو/كغم. - المصدر: بلومبرغ
 

هل الطلب العالمي على الهيدروجين كافٍ لتبرير طفرة الاستثمارات؟

الطلب العالمي على الهيدروجين الأخضر يشهد نمواً متسارعاً، مدفوعاً بالتزامات الدول بخفض الانبعاثات الكربونية، وتقدّر شركة الأبحاث "ريسيرش آند ماركتس" (Research And Markets) قيمة السوق العالمية للهيدروجين الأخضر بنحو 1.5 مليار دولار حالياً، مع توقعات بارتفاعها إلى 125.3 مليار دولار بحلول عام 2035، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 49.5%.
 
تخطط الشركات والحكومات حول العالم لبناء نحو 1600 محطة لإنتاج الوقود الخالي من الكربون، لكن هناك مشكلة واحدة، وهي أن الغالبية العظمى من هذه المشاريع تفتقر للعملاء المستعدين لشراء مثل هذا النوع من الوقود. إذ أشار تقرير لـ"بلومبرغ إن إي إف" أن 12% من محطات الهيدروجين منخفضة الكربون لديها عملاء باتفاقيات مؤكدة لاستخدام الوقود.
 

هل استثمارات الهيدروجين الأخضر عرضة لفقاعة مالية؟

تبدو استثمارات الهيدروجين الأخضر أقل عرضة للفقاعات المالية مُقارنةً بالطاقة الشمسية أو السيارات الكهربائية، بفضل الطلب المدفوع بالسياسات لا بالمضاربات. قدم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حوافز وتشريعات طويلة الأمد تضمن الطلب في قطاعات يصعب خفض انبعاثاتها، مثل الصلب والشحن.
 
كما أن معظم المشاريع الكبرى تُنفذ بعد توقيع عقود بيع طويلة الأجل، ما يقلل المخاطر التجارية. أيضاً، تتراجع تكلفة المحللات الكهربائية بسرعة، وهناك انضباط رأسمالي أكبر، حيث تُربط الاستثمارات بتوفر الطاقة المتجددة والبنية التحتية. هذه العوامل تجعل من الهيدروجين الأخضر اقتصاداً ناشئاً محكوماً بقواعد سوق أكثر نضجاً واستدامة.
 



elitecranes
arkan
soy

اخبار متعلقة

الإسكوا: الأردن والبحرين ومصر الأكثر تأثراً برسوم ترمب الجمركية بين الدول العربية
المشاهدة(3400)

قالت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكوا" إن الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة دونالد ترمب ستؤثر على صادرات عربية غير نفطية إلى السوق الأميركية تُقدّر قيمتها بـ22 مليار دولار، وتوقعت أن...المزيد

دول الخليج تقر فرض رسوم إغراق نهائية على واردات الألومنيوم الصينية
المشاهدة(16321)

اعتمدت اللجنة الوزارية المشكَّلة من وزراء الصناعة بدول مجلس التعاون، توصية اللجنة الدائمة لمكافحة الممارسات الضارة في التجارة الدولية لدول مجلس التعاون، بفرض رسوم نهائية لمكافحة الإغراق على واردات دول المجلس من...المزيد

أجندة اليوم الثالث والأخير من فعاليات مؤتمر "فاست ماركتس" 2024
المشاهدة(73620)

Transformation Stage ورشة عمل: تقنيات الدرفلة المسطحة المبتكرة الموفرة للطاقة من الساعة 10:15ص وحتى الساعة 11:25ص. المزيد

اضف تعليق