نقدم لكم سلسلة من المقالات الحوارية مع قادة صناعة الصلب فى العالم يجريها المهندس محمد سعيد عضو المجلس الاستشارى لمنصة الصلب العربية لمحاولة فهم تلك تكنولوجيا وتسليط الضوء على قصص نجاح مختلفة فى هذا المجال. ففى ظل التغييرات المناخية التى شهدها العالم فى الآونة الأخيرة... فقد إنتبه العالم لخطورة التلوث والأكاسيد الكربونية على كوكبنا، وأصبح يتوجه نحو تبني التكنولوجيا الخضراء فى شتّى المجالات ، ويسعى دون هوادة نحو تطويرها لتكون مستدامة بيئياً، ولكن كيف ستغير التكنولوجيا الخضراء صناعة الصلب عالمياً وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط نحو صناعة محايدة كربونياً؟

 

واللقاء الأول من السلسلة مع دكتور أنجيلو مانينتي، رئيس شركة ميتال الأمريكية ونائب رئيس شركة تينوفا السابق وخبير إزالة الكربون وتقنية الإختزال المباشر.

 

على الصعيد الأكاديمي فقد حصل دكتور مانينتى على درجة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية من البوليتكنيك بجامعة ميلانو بإيطاليا ، ودرجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بيتسبرغ بالولايات المتحدة الأمريكية ، ولديه أكثر من 30 عرضاً تقديمياً في المؤتمرات الدولية (بشكل رئيسي حول تقنية الإختزال المباشر) لإضافة العديد من المنشورات العلمية في مجلات صناعة الصلب.

 

أما على صعيد صناعة الحديد والصلب فهو يتمتع بأكثر من 30 عاماً من الخبرات القيادية، حيث عمل كمدير تنفيذي لقسم المبيعات وتسويق لشركة TECHINT ، وشارك في معظم عمليات الدمج والإستحواذ الخاصة بـها في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنشأ وطوّر إستراتيجية التسويق والبيع في جميع أنحاء العالم لعملية الصلب المستمر Consteel ، وعمل كنائب رئيس شركة تينوفا Tenova بولاية بنسلفانيا لمدة 10 سنوات من 1998 وحتى 2008، ثم إنتقل بعد ذلك لمجموعة دانيللى كرئيس المجموعة بالمكسيك، ثم عاد مجدداً لشركة تينوفا كنائب الرئيس لشئون تطوير الأعمال فى الفترة من 2012 وحتى 2018، ومن ثم رئيساً لشركة ميتال للإستشارات Metal Consulting من وقتها وحتى الآن، وتعتبر شركة ميتال للإستشارات هي شركة إستشارية دولية مقرها بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا متخصصة في الإستشارات الإستراتيجية والتقنية لإنتاج وإدارة ومشتريات الصلب والمعادن.

 

في البداية أود أن أرحب بك وأن أبدي لك مدى سعادتي بلقائك هذا والذي من خلاله سوف يتدفق الكثير من المعلومات القيمة...

 

ج 1: كان مستوى إنتاج الصلب في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2022 أكثر من 80 مليون طن مما يعكس إنكماشاً خلال سنوات كورونا، بينما بلغ إنتاج أمريكا الشمالية (بما في ذلك كندا والمكسيك) حوالي 111 مليون طن. حيث تواصل صناعة الصلب في الولايات المتحدة تحويل الإنتاج من أفران الانفجار (Blast Furnaces) إلى مسار فرن القوس الكهربائي (Electric Arc Furnaces). ولذلك يتم إنتاج الصلب الأمريكي حالياً بأكثر من 70 ٪ عبر تقنية فرن القوس الكهربائي.

 

هذا الوضع فريد تماماً مقارنة بالدول المنتجة للصلب، وهذا يجعل الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة صاحبة أقل إنبعاثات لثاني أكسيد الكربون لكل طن من الصلب ، وذلك نظراً لأن معظم إنتاج الصلب الأمريكى يستخدم الخردة (المواد المعاد تدويرها) والأفران الكهربائية، وهذا ما يفسر أيضاً سبب إنخفاض الضغط على إنتاج الصلب الأخضر في الولايات المتحدة في البداية كمقارنة بالمناطق الصناعية الأخرى مثل أوروبا واليابان، حيث يتركز إنتاج الصلب في فرن الانفجار وبالتالي يقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

 

ج 2: بشكلٍ عام، الصلب الأخضر عبارة عن صلب يتم إنتاجه بدون استخدام الوقود الأحفوري أو على الأقل باستخدام الكربون والغاز الطبيعى. يهدف هذا النهج إلى القضاء على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن إنتاج الصلب أو الحد منها إلى الحد الأدنى.

 

ج 3: سيغير الصلب الأخضر بشكل كبير صناعة الصلب وذلك بإتخاذ العوامل الآتية:

 

أولاً: تسريع إستبدال فرن الإنفجار (الذي ينبعث منه حوالي 2 طن من ثاني أكسيد الكربون لكل طن من الصلب المنتج) باستخدام DRI plus EAF / SAF الذي ينبعث منه حوالي 0.5 طن من ثاني أكسيد الكربون / لكل طن من الصلب).

 

ثانياً: تحويل لتكنولوجيا الاختزال المباشر مع أفران القوس الكهربى، يجب أن يتكيف الاختزال المباشر مع كمية أكبر من استخدام الهيدروجين بشكل تدريجي. سيؤدي ذلك إلى تطوير تقنية إنتاج الهيدروجين بكميات هائلة تتطلبها مصانع الاختزال المباشر.

 

ستعمل تقنية الاختزال المباشر (DRI) على مزيد من التحولات ، باستخدام مواد خام الحديد منخفضة الجودة غير المحببة والمتوفرة من إغلاق العديد من المصانع التى تعمل بأفران الانفجار ، وسيتم أيضاً تحويل تقنية القوس الكهربى لتكييف عملية الذوبان الخاصة بها مع الاختزال المباشر صفري الكربون.

 

ج 4: لن يغير تحول الصلب الأخضر في الدول الغربية الصناعية في أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان بشكل أساسي من كمية الصلب المنتج في تلك المناطق ، ولكنه سيغير عملية الإنتاج. والأهم من ذلك ، أن هذا سيؤدي إلى تطورات تكنولوجية جديدة في إنتاج الصلب في تلك المناطق الجغرافية.

 

ج 5: كما ذكرت في بداية الحوار، كان لأمريكا الشمالية ولا سيما الولايات المتحدة في البداية دفعة أقل لإزالة الكربون نظراً لأن صناعة الصلب هي واحدة من أقل إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم نظراً لأن غالبية الصلب يتم إنتاجه عبر فرن القوس الكهربائي باستخدام الخردة ، ولكن سيتم تركيب محطات حديد الاختزال المباشر الجديدة في هذه المنطقة وأحد هذه المصانع هو مصنع "ArcelorMittal" المجهز للهيدروجين والذي تبلغ طاقته الإنتاجية 2.5 مليون طن سنويًا ، وهو مصنع الاختزال المباشر في هاميلتون ، كندا ، والذي يهدف إلى استبدال فرن الانفجار الحالي.

 

وسيتم بناء مصانع الاختزال المباشر الأخرى لاستكمال الانتقال بعيدًا عن أفران الانفجار المتبقية. لكن الضغط من أجل إزالة الكربون سيكون أكثر تركيزًا على تطوير تقنيات الاختزال الجديدة في الحديد محليًا.

 

وكما أرى بأن هنالك الكثير من الأنشطة في الولايات المتحدة الأمريكية مع الشركات الناشئة الأمريكية التي تطور نهجًا جديدًا تمامًا لتقليل الاختزال المباشر، على سبيل المثال شركة بوسطن للمعادن Boston Metals والتي تستخدم خلايا التحليل الكهربائي للأكسيد المنصهر لإنتاج الصلب السائل وغيرها مثل Alterna E Cyclor التي تطور عملية مباشرة تقليل مكورات خام الحديد غير المحببة بالهيدروجين في المفاعلات المحسّنة.

 

ج 6: نعم ، بشكل مباشر وغير مباشر.... فبشكل مباشرة لأن هذين البلدين كانا منتجين رئيسيين للمعادن القائمة على الخام (الحديد الخام والحديد الخام) ، وكانت روسيا المورد الرئيسي للغاز الطبيعي في أوروبا. لذا استندت معظم مشاريع الاختزال المباشر في أوروبا إلى محطات الاختزال المباشر التي تعمل على الأقل في البداية بالغاز الطبيعي حتى يتوفر الهيدروجين الأخضر ، وتسبب عدم توفر الغاز الطبيعي من روسيا في تأخير المشاريع أو إعادة جدولتها.

لكن بشكل غير مباشر ، فقد أدت ندرة الغاز الطبيعي في أوروبا إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي ، مما جعل بعض المشاريع أكثر صعوبة من الناحية الاقتصادية.

 

والآن وبعد أن عاد وضع سلاسل الامداد طبيعيا نوعا ما، فلا يزال هناك حالة من الضبابية وعدم التأكد نسبياً في المستقبل ، وهو ما لا يساعد الاستثمارات الكبيرة مثل تلك الاستثمارات المعتمدة على مصانع حديد الاختزال المباشر الجديدة.

 

ج 7: وفقًا لبيانات الاتحاد العالمي للصلب في عام 2022، أنتجت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حوالي 55 مليون طن سنوياً ، واستمرت في نموها بفضل وفرة الغاز الطبيعي وزيادة استهلاك الصلب في المنطقة. وأتوقع أن يستمر هذا الاتجاه أيضًا في السنوات القادمة.

 

ج 8: نظرًا للتوافر الكبير للغاز الطبيعى وإمدادات خام الحديد المختزل، كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أوائل الدول التي تبنت تقنية DRI / EAF لإنتاج الصلب. وبالتالي ، فإن صناعة الصلب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يُطلق بالفعل جزءًا بسيطًا من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن مسار فرن الصهر المتقادم.

 

وبسبب هذا الاعتماد المبكر للتكنولوجيا القائمة على الاختزال المباشر بالغاز ، تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعرفة وخبرة عميقة في إنتاج الصلب باستخدام حديد الاختزال المباشر.

 

وهذه ميزة أساسية لزيادة إنتاج حديد الاختزال المباشر في هذه المنطقة. وأرى أن الخطوة التالية لمزيد من التطوير للصلب الأخضر في هذه المنطقة ستكون استبدال الوقود الأحفوري تدريجياً بالهيدروجين الأخضر ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى.