مقالات

مصر: الحديد والصلب المصرية .. الماضى ..الحاضر والمستقبل (بين الوهم والحقيقة)

الأربعاء 10 فبراير 2021 12:32 مساءً المشاهدة(493)

خاص شبكة الحديد والصلب , كتب : محمد هريدي.

 

يرجع تاريخ إنشاء شركة الحديد والصلب المصرية إلى الخمسينات من القرن الماضى حيث تم وضع حجر الأساس عام 1955 لإنشاء المصانع على مساحة حوالى 2400 فدان.

 

وتم توقيع العقد مع شركة ديماج دويسبرج (ألمانيا الشرقية فى ذلك الوقت) لتوريد المعدات وبدأ الإنتاج عام 1958 بإستخدام فرنين عاليين (Blast Furnaces No 1&2) إعتماداً على خامات الحديد المحلية المستخرجة من مناجم سطحية بالقرب من أسوان ، وكانت الطاقة الإنتاجية حوالي 120 ألف طن سنوياً.

 

 وفى بداية تشغيل المصانع كان يتم إستيراد فحم الكوك اللازم للعملية الصناعية (من أجل ذلك تم إنشاء ميناء الدخيلة) إلى أن بدأت شركة الكوك في العمل لتوفر للحديد والصلب المصرية كميات الكوك اللازمة حيث يمثل فحم الكوك أحد المدخلات الرئيسية فى إنتاج الحديد بإستخدام الأفران العالية.

 

وفي السبعينات من القرن الماضى تم تطوير المصانع بالتعاون مع الإتحاد السوفيتي (شركة تياج بروم اكسبورت)بإضافة فرنين عاليين آخرين (Blast Furnaces No 3&4) بطاقة إنتاجية أكبر مع الإعتماد على خامات الحديد المتواجدة بمنطقة الواحات البحرية وقد وصلت الطاقة الإنتاجية إلى حوالي 1.5 مليون طن من مختلف منتجات الصلب سواءً المسطحات أو القطاعات أو حديد التسليح.

 

و فى هذه الفترة كانت منتجات الحديد والصلب المصرية هي المصدر الرئيسى لتغطية إحتياجات السوق المصرية.

 

وقد بدأت معرفتي بالحديد والصلب المصرية عام 1990 حيث بدأت العمل بها كمهندس إنتاج بالأفران العالية وكانت الشركة في هذا الوقت لا تزال تعمل بكامل طاقتها فى مختلف قطاعات الإنتاج وكان عدد العاملين بها يصل الى حوالي 25 ألف عامل.

 

 وفى نفس العام تركت العمل بالشركة وإنقطعت صلتي بها حتى عام 2009 حيث تجددت علاقتي بها ولكن كممثل لإحدى الشركات العالمية التي تعمل فى إنتاج معدات صناعة الحديد والصلب حيث أعلنت شركة الحديد والصلب عن مناقصة لإحلال وتجديد وحدة صب المربعات رقم 4.

وبعد دراسة طويلة شابها الكثير من البيروقراطية والعجز عن إيجاد مصادر لتمويل مشروع احلال وحدة صب المربعات (حوالي 20 مليون دولار) قامت الشركة بإلغاء المناقصة.

 

 وقد هالني ما وصل إليه الوضع فى ذلك الوقت ، الشركة تعمل بطاقة إنتاجية حوالي 50% من الطاقة التصميمية .. المعدات معظمها متهالك .. تكلفة الإنتاج مرتفعة وتزيد فى معظم الأحيان عن سعر البيع ..لماذا وصلت الشركة إلى هذا الوضع؟.. كان هذا هو السؤال.

 

ترجع أسباب التراجع الحاد الذي حدث بشركة الحديد والصلب خلال فترة التسعينات وبداية القرن الحالي الى أسباب عديدة أهمها:

- المنافسة القوية لمصانع الصلب الجديدة التى بدأ إنشاؤها مع أوائل التسعينات حتى نهاية القرن بإستخدام تكنولوجيا حديثة (أفران القوس الكهربي Electric Arc Furnaces) وإعتماداًً على خردة الصلب كمادة خام.

 

فقد بدأت الشركات التالية فى الانتاج:

- شركة الدخيلة للحديد والصلب (عز الدخيلة فيما بعد).

- شركة عز للصلب بمدينة السادات.

- شركة السويس للصلب.

- شركة بشاى للصلب.

- شركة عز للصلب المسطح.

 

ومع بداية القرن الحالي كانت هذه الشركات الجديدة تنتج حوالي (7 مليون طن) من منتجات الصلب المختلفة وبتكنولوجيا حديثة وبإقتصاديات تشغيل أفضل مما وضع شركة الحديد والصلب في مأزق ولم تعد الشركة قادرة على المنافسة كما أن منتجاتها لم تعد بنفس الدرجة من الأهمية للسوق.

 

- تهالك وحدات ومعدات الإنتاج بمصانع شركة الحديد والصلب حيث تسبب قرار أحد وزراء قطاع الأعمال بعدم الإستثمار في الشركات القائمة إلا في حدود ضيقة بعجز الشركة عن مواكبة التطور الحادث في التكنولوجيا.

 

- تراجع كميات فحم الكوك التى توردها شركة الكوك الى الحديد والصلب لتهالك معدات شركة الكوك.

 

مع أحداث يناير 2011 وما بعدها إزداد تردّى أوضاع الحديد والصلب المصرية ففي عام 2013 إنخفضت إنتاجية الشركة الى أقل من 30% من الطاقة الإنتاجية مع إرتفاع متوسط تكلفة الإنتاج بحوالي 30% عن متوسط سعر البيع فقد كان إنتاج طن الصلب يستهلك 1300 ك.و.س كهرباء بالإضافة إلى طن كوك مقارنة ب 750 ك.و.س كهرباء فى المصانع المنافسة كما أن عدد العاملين (حوالي 10 آلاف فى ذلك الوقت) ينتجون 300 ألف طن في حين ينتج 1000 عامل في المصانع المنافسة حوالي مليون طن.

 

وبذلت الشركة محاولات عديدة للعودة الى الطريق الصحيح. وفي عام 2014 تم التعاقد مع شركة تاتا ستيل لدراسة أوضاع الشركة وإقتراح الحلول الممكنة وكان ملخص التوصيات التى خلصت اليها شركة تاتا ستيل بعد الدراسة كما يلى:

- تدبير كميات فحم الكوك اللازمة لشركة الحديد والصلب المصرية من السوق العالمي.

- التعاقد مع استشاري لدراسة وتنفيذ إعادة هيكلة للموارد البشرية.

- التعاقد مع استشاري متخصص لإعداد وتنفيذ المشروعات الازمة للتطوير فنياً وإدارياً.

- تطوير نظام فعّال للصيانة بالشركة.

- إستكمال نظام تكنولوجيا المعلومات بالشركة.

 

نتيجة لذلك أعلنت الشركة عام 2016 عن مناقصة عالمية بين الشركات المتخصصة لتقديم عروض لتطوير مصانع الشركة بدءاً من المناجم حتى نهاية العملية الانتاجية وتقدمت خمس شركات عالمية لهذه المناقصة (كنت أمثل إحداها) وبعد كثير من التخبط وعدم القدرة على إتخاذ القرار لإرتفاع التكلفة المتوقعة للتطوير نظراً لتردى حالة جميع وحدات الانتاج (حوالي 350 مليون يورو) قامت الشركة بإلغاء المناقصة.

 

وحالياً في عام 2021 لم تعد شركة الحديد والصلب قادرة على الإستمرار مع ما سبق بيانه كما أن منتجاتها لم تعد منتجات "إستراتيجية" كما يحلو للبعض أن يسميها.

 

 بل أن صناعة الصلب عموماً في مصر فى مأزق لإرتفاع الطاقات الإنتاجية المتاحة (حوالي 12 مليون طن) مقارنةً بإستهلاك محلي       لا يتعدى (8 مليون طن) في أفضل الظروف كما أن معظم مدخلات صناعة الصلب حاليا يتم إستيرادها مع عدم القدرة على تصدير الفائض في الانتاج للارتفاع النسبي الحالي فى أسعار الطاقة مقارنةً بالخارج.

 

فماذا عن المستقبل؟

بعد قرار الجمعية العمومية لشركة الحديد والصلب بتقسيم الشركة الى شركتين احداهما للمناجم والأخرى للمصانع وتصفية شركة المصانع والابقاء على شركة المناجم ، أرى أن شركة المناجم هذه قد تكون الحل لمعضلة صناعة الحديد والصلب فى مصر.

 

يوجد فى مصر حاليا أربع مصانع لانتاج الحديد الإسفنجى بالإختزال المباشر باجمالي طاقة انتاجية حوالى 8 مليون طن وفي حالة عملها بالكامل تحتاج الى حوالى 12 مليون طن من مكورات أكسيد الحديد يتم استيرادها بالكامل بتكلفة استيرادية تصل الى 2 مليار دولار سنوياً.

 

يجب أن يتم دراسة الإستغناء عن إستيراد مكوّرات أكسيد الحديد ( Oxide Pellets)  والبدء في إنتاجها محلياً إعتماداً على خام الحديد المصري المُستخرج من مناجم الواحات البحرية (الجديدة ، الحره ، ناصر ، غرابى) كما يمكن أيضاً إعادة تشغيل مناجم حديد أسوان.

 

ونظراً لإنخفاض محتوى الحديد في الخام المصرى (38% - 42%) بينما مصانع الإختزال المباشر تحتاج الى محتوى حديد أعلى من 60% لكي تعمل بطريقة إقتصادية فيمكن دراسة تنفيذ الآتي:

- إنشاء مصنع لمكوّرات أكسيد الحديد (Iron Oxide Palletizing)  بمنطقة العين السُخنة حيث أنها يوجد بها أكبر مصانع اختزال مباشر والطاقة الإنتاجية المقترحة لهذا المصنع 12 مليون طن.

 

- إنشاء مصنع لتركيز خام الحديد المصري (Iron Ore Beneficiation) بمنطقة المناجم لرفع تركيز الحديد الخام الى فوق 50% وبطاقة إنتاجية تكفي نصف إحتياج مصنع المكوّرات.

 

- إستيراد النصف الباقي من إحتياج مصنع المكوّرات من خام الحديد على أن تكون نسبة الحديد حوالى 70% .

 

- خلط الخام المستورد مع الخام المصري المركز للوصول الى خليط بنسبة حديد تصلح لمصانع الاختزال المباشر.

 

يمكن أن يؤدى ذلك في حالة تنفيذه (بعد الدراسة الدقيقة طبعاً) الى تحسين إقتصاديات صناعة الحديد والصلب في مصر عموماً حيث سيكون قد تم إحلال نصف الخام المستورد ببديل محلي.

 

 



soy

اخبار متعلقة

لقاء: صلب لوكسمبورغ الأخضر بعيون عربية
المشاهدة(599)

 حوار يجريه مهندس محمد سعيد عيسى عضو المجلس الإستشارى لمنصة الصلب العربية مع د. أندرس فيرمي المدير العام لعملاق الصلب أرسيلورميتال  المزيد

صناعة الصلب تحتاج 278 مليار دولار إستثمارات من أجل التحول الأخضر
المشاهدة(801)

تستطيع صناعة الصلب العالمية أن تقضي على انبعاثات غاز الاحتباس الحراري بحلول عام 2050 عبر تكثيف عمليات إعادة التدوير، واستخدام الهيدروجين وقوداً في مصانعها، والتقاط الكربون من المصانع القديمة.المزيد

نحو رؤية أفضل لمجتمع الصلب بشمال إفريقيا والشرق الأوسط
المشاهدة(722)

مع الإعلان عن تأسيس أول فرع لمنظمة تكنولوجيا الحديد والصلب فى منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط, يعمل حاليا أعضاء اللجنة المنظمة على وضع الخطة الاستراتيجية التى ستتضمن مستقبل الفرع , الأهداف الإستراتيجية , معايير...المزيد

اضف تعليق