أخبار عالمية

kandil

مقال: سبب الهبوط المستمر للحديدالخام عالمياً؟ وتحكم الأربعةالكبار..والتنافس الصيني الاسترالي القادم

الأحد 24 يناير 2016 01:32 مساءً المشاهدة(5787)

إن التحكم في النمو السكاني المفرط، واستغلال الموارد الطبيعية، والمحافظة على البيئة، والوقاية من الكوارث الطبيعية هي أهم أربعة تحديات تواجه البشرية في القرن الواحد والعشرين وترتبط جميعها بخامات الحديد واستخداماتها بشكل مباشر أوغير مباشر. 
 
وقد قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية الاحتياط العالمي من الحديد الخام حتى نهاية 2014 بحوالي ( 190 مليار طن) حيث بلغ الاحتياطي الأسترالي (53 مليار طن)، والبرازيلي (31 مليار طن) ،والروسي (25 مليار طن)، والصيني (23 مليار طن)، والهندي (8.1 مليار طن)، بالإضافة إلى احتياطات معتبرة في كل من أمريكا و أوكرانيا و كندا والسويد و كازاخستان وإيران وجنوب أفريقيا ... ومن حيث الإنتاج حسب نفس الهيئة فقد بلغ الإنتاج العالمي من الحديد الخام سنة 2014 ما مجموعه (3.22مليار طن) حيث أنتجت الصين (1500 مليون طن ) أستراليا (660 مليون طن)، والبرازيل (320 مليون رطن) و الهند (150 مليون طن) وروسيا (105مليون طن) .....
 
أما بنسبة لبلادنا (موريتانيا) وحتى نهاية سنة 2014 م قدر احتياطها من الحديد الخام ب (1.5 مليار طن) و إنتاجها بحوالي 13 مليون طن .
 
ومنذ سنة 2000 م ، أدى التطور السريع لصناعة الصلب العالمية وخاصة في آسيا إلى زيادة كبيرة في الاستهلاك العالمي من الحديد خام قدرت بمعدل (105مليون طن) سنويا، حيث ازداد الإنتاج العالمي من الصلب من 850 مليون طن سنة 2000 م إلى 1.66 مليار طن سنة 2014 م. 
 
وقد شكل هذا الطلب المتنامي على الصلب ومن ثم على المادة الخام زيادة مضطردة في أسعارها، حيث قفزت من (12.5 دولار) سنة 2000 م إلى حوالي (187 دولار) فبراير 2011م .
 
لكن الأربعة سنوات الأخيرة شهدت موجات متواصلة من الانخفاضات والهبوط التدريجي حيث وصلت إلى أقل من 40 دولار الشهر المنصرم، لتصل بذلك إلى أدنى مستوى لها في السنوات الثمانية الأخيرة وذلك ما شكل صدمة كبيرة للكثير من العاملين في القطاع المنجمي.
 
وقد أدت هذه التقلبات العنيفة في أسعار الحديد الخام إلى إغلاق العديد من المناجم والتسريح آلاف العمال وساهمت في زعزعة استقرار اقتصاديات بعض الدول المنجمية مثل بلادنا.
 
لكن ما السبب وراء الهبوط المستمر لأسعار الحديد الخام عالمياً منذ 2011 م؟  
 
(1)
الصين كأكبر منتج ومستورد:
 
خلال 15 السنة الماضية صاحب النمو السريع للاقتصاد الصيني والتطور الهائل في البنية التحية والصناعية لها تزايد في الطلب على إنتاج الحديد الخام واستيراده ،حيث ازداد الإنتاج الصيني من الحديد الخام من حوالي( 420 مليون طن ) سنة 2005 م إلى حوالي (1مليار طن) سنة 2010م، وفي نفس الوقت ازداد استيرادها من (275مليون طن) سنة 2005م إلى (660مليون طن) سنة 2010م.
 
لكن منذ سنة 2010م بدأ الاستثمار الصيني في البنية التحية والعقارات الذي كان وراء الطلب الكبير على الحديد الخام في تباطئ متأثرا بالأزمة المالية العالمية، والتغيير في السياسات الصينية في ظل مخاوف من حدوث فقاعة عقارية، حيث ظهرت في الصين اكثر من 20 مدينة أشباح من أشهرها مدينة الأشباح بمنطقة أردوس في منغوليا الداخلية على مساحة 32 كلم مربع والتي شاهدتها بأم عيني أكتوبر 2010 م ، ومدينة أشباح بمساحة 150 كلم مربع بمدينة تشنغتشو في إقليم خنان.
 
وفي السنوات الخمسة الأخيرة وبرغم من ضعف الاستثمار الصيني نسبيا في المجالين المستهلكين للحديد كما ذكرنا أعلاه إلا أن الصين واصلت زيادة إنتاج الحديد الخام واستيراده،حيث ارتفع استيرادها للحديد الخام من (686 مليون طن 2011 ) إلى حوالي (1مليار طن 2015)، أما الإنتاج فقد ازداد من ( 1.32 مليار طن) سنة 2011 م إلى ( 1.51 مليار طن) سنة 2014 م؛ مما نتج عنه تخمة في السوق الصيني بحوالي 200 مليون طن. 
 
وعلى سبيل المثال لا للحصر يوجد داخل 44 مخزن على مستوى الموانئ الصينية المخصصة لتخزين المادة الخام اكثر من 100 مليون طن من الحديد الخام إلى درجة ظهور تلال سوداء من المادة الخام المكدسة يتجاوز طولها حوالي 10 متر. 
 
 وقد أدت سياسية إغراق السوق الصيني بالمادة الخام رخيصة الثمن إلى شبه توقف وإغلاق الكثير من المناجم الصغيرة والبالغ عددها حوالي 500 منجم، و تكبدت الشركات الصينية العاملة في مجال صناعة صلب خلال 20015م خسائر فادحة قدرت ب53 مليار يوان، وأعلنت 30 شركة منها عن إفلاسها.
 
وللتعامل مع الوضعية الجديدة لصناعة التعدين اتخذت الحكومة الصينية بعض الإجراءات لزيادة التحكم والرقابة وتحسين الوضع، فمن جهة بدأت مع نهاية 2014 تنفيذ سياسة إعادة هيكلة الشركات المملوكة لدولة عن طريق دمجها وحتى الآن تم تقليص الشركات التي تخضع لرقابة للجنة الإشراف على الأصول المملوكة للدولة من 130 إلى 108شركة كان آخرها إعلان عملاقي التعدين شركة ام سي سي وشركة مينميتالس عن اندماجهما في سبتمبر الماضي، ومن جهة أخرى تم تقليص الشركات الصينية المؤهلة لاستيراد الحديد الخام من 500 إلى 118 شركة (70 مصنع للصلب و 48 شركة تجارية) ،كما تم إلغاء خصومات التصدير لمنتجات الصلب، وتم تفعيل قانون حماية البيئة الجديد الأكثر صرامة.
 
كل هذه الإجراءات مؤشر على أن الصين التي تعدت اليابان سنة 1996 لتصبح أول دولة على مستوى العالم من حيث إنتاج صلب وحافظت على موقعها في الصدارة لهذه الصناعة بدأت في إعادة هيكلة هذه صناعة التي تعتبر العمود الفقري لاقتصادها وذلك تماشيا مع استراتيجيتها حول التحول الاقتصادي لتجنب فخ الدخل المتوسط و تحقيق المجتمع الرغد عند الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني سنة 2021 م.
 
(2)
العرض والطلب ودور الأربعة الكبار:
 
يعتبر قانون العرض والطلب أحد القوانين الأساسية في علم الاقتصاد، والعمود الفقري لاقتصاد السوق وتشكيله، وتعتبر الأسعار انعكاسا طبيعيا له. وبالرجوع إلى حالة العرض والطلب على الحديد الخام خلال السنوات الخمسة الأخيرة نلاحظ أن الشركات الأربعة العالمية الكبرى حافظت على زيادة مستمرة في إنتاجها بل إفراطا في الإنتاج والعرض رغم تناقص الطلب على المادة الخام ورغم المشاكل العالمية الاقتصادية والهبوط المستمر للأسعار. 
حيث ارتفع إنتاج شركة فالي البرازيلية (Vale) من 307.8 مليون طن سنة 2010م إلى 332 مليون طن سنة 2014 ؛
 
وارتفع إنتاج شركة ريو تينت (Rio Tinto ) من 184 مليون طن سنة 2010م إلى 295 مليون طن سنة 2014 م ؛
 
وارتفع إنتاج شركة بي اتش بي بيليتون استورالية (BHP) من 124 مليون طن سنة 2010م إلى 232مليون طن سنة 2015م؛
 
أما شركة مجموعة فورتيسك ميتالز استورالية (FMG ) فقد ارتفع إنتاجها من حواي 40 مليون 2010 إلى 165 مليون طن سنة 2014 م.
 
ويعتقد البعض أن الإفراط في الإنتاج لدى الشركات العالمية الكبرى خاصة الأسترالية والبرازيلية منها هدفه خفض الأسعار؛ وبالتالي إخراج المناجم ذات التكلفة المرتفعة من الأسواق خاصة المناجم الصينية عالية تكلفة الاستخراج وذات مكامن منجمية نسبة الحديد فيها قليلة ( أقل من 30%).
 
لكن واقع الحال يقول أن سياسة الإفراط في الإنتاج هذه.. لم تمكن الأربعة الكبار من التحكم في السوق نهائيا بل يبدوا أنها ساعدت الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ في تنفيذ سياسته المتمثلة في إعادة هيكلة الاقتصاد الصيني، والشركات الصينية، ومحاربة الفساد ورموزه والتي قادت حتى الآن إلى اعتقال الكثيرين.
 
وإذا كان الأربعة الكبار قد حققوا أرباحا أفضل في بداية دورة هبوط الأسعار هذه بفضل صادراتهم القياسية فإن 2015 حملت خسائر كبيرة خاصة للشركة البرازيلية تقدر بحوالي 3 مليارات دولار مما يعني أن الجولة القادمة من حرب الأسعار ستكون أساسا بين الشركات الأسترالية والصين.
 
(3)
معركة التحكم في السوق وهبوط الأسعار
 
يعتقد الكثير من المحللين الدوليين أن العامل الرئيسي وراء تدهور أسعار خامات الحديد هو انخفاض معدلات النمو في الصين ( حيث تراجع نموها من %10.6 -2010 إلى %7.3 -2014 ) ومن ثم انخفاض معدلات الطلب على الصلب، ومن ثم على خام الحديد؛ كما يعتقد البعض الآخر أن السبب الرئيسي هو إغراق السوق الدولي والصيني خاصة بالحديد الخام من قبل الشركات الدولية الكبرى بغية إخراج المناجم الصينية العالية التكلفة من المنافسة والتحكم في السوق في نهاية المطاف كما ذكرنا سابقا .
 
إلا أننا بينا أعلاه أن الصين حافظت على معدلات استيراد متزايدة للحديد الخام ، وأن انخفاض الأسعار ساعد الصين على كنس سوقها و تنفيذ سياسة دمج شركاتها مما يجعل تفسير انخفاض الأسعار على أساس قاعدة السوق متمثلة في التفاعل بين العرض والطلب وحدها غير مقنعة في هذه الحالة. 
 
ولفهم العامل الرئيسي وراء تدهور الأسعار لابد من الرجوع إلى بداية تشكل المشكلة وتعقب تطورها داخل الصين لكونها أكبر منتج ومستورد، حيث ترجع جذور المشكلة إلى أيام الأزمة المالية العالمية 2008 م، التي كان من تداعياتها نقص الطلب العالمي والصيني خاصة على الصلب، حيث سجلت شركات صناعة الصلب الصينية أول خسائرها أكتوبر من نفس السنة.
 
وقد وصل حجم الإنتاج الصيني من الصلب سنة 2009 حوالي (567 مليون طن ) بينما بلغ الاستهلاك في نفس السنة حوالي (430 مليون طن ) أي أنه هناك فائض في الإنتاج يقدر ب (137 مليون طن ) وهكذا بدأت الخيوط الأولى لمشكلة التخمة في السوق الصيني التي تعقدت وتشعبت وتداخلت مع القطاعات الصناعية الأخرى مما ولد العديد من المشاكل الهيكلية والبنيوية الحالية للاقتصاد الصيني.
 
حيث أصبح حلها يمثل مفتاح تحول وإعادة هيكلة الاقتصاد الصيني، وقد حاولت الصين التوصل إلى حل مع الأربعة الكبار عن طريق التفاوض خلال منتصف 2011 م، لكن مساعيها باءت بالفشل مما فتح الباب على حرب الأسعار أو حرب المؤشرات بعد إعلان الصين عن مؤشرها لأسعار خامات الحديد أكتوبر 2011 م لينضاف إلى المؤشرات الثلاثة الأخرى ( Platts ,MBIO,TSI).
 
وإذا كان الأربعة الكبار يسعون من وراء إغراق السوق بالمادة الخام رخيصة الثمن إلى التحكم في السوق الدولي، فإن أحفاد سون وو(545 -470 ق.م) (صاحب كتاب "فن الحرب" أقدم كتاب حربي حول الإستراتيجيات والوسائل العسكرية في العالم ) ولفك معضلة التخمة في سوقهم وإنقاذ صناعة الصلب العمود الفقري لاقتصادهم قد ركبوا الموجة لأهدافهم بل يبدوا أنهم استغلوها في وضع فخ للشركات الدولية يتمثل في خلق ظرفية طويلة الأمد نسبيا يكون فيها عرض المادة الخام أكبر من الطلب مما يؤدي إلى تدهور أسعار الحديد الخام، ومن ثم تدور أسعار الصلب.
 
وهذا ما يفسر أن الصين وفي ظل سنة (2014) انكماش اقتصادي، مع هبوط مطرد في الأسعار، وفائض في الإنتاج من الصلب، وخسائر فادحة لشركاتها استوردت من ضمن ما استوردت (700مليون طن) من الحديد الخام مصدرها الأربعة الكبار، وهي تشكل 75 % من واردات الصين من هذه المادة لنفس السنة، واكثر من 70% من إنتاج الشركات الأربعة مجتمعة لنفس السنة.
 
ويفسر كذلك انه مع إعلان الصين عن مؤشرها أكتوبر 2011 انخفض سعر الحديد الخام بأكثر من 40دولار في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر لأول مرة في التاريخ حسب علمي حيث كان السعر ( 177 دولار) سبتمبر 2011 و انخفض إلى 135 نوفمبر2011م. وتتوخى الصين من وراء فخها هذا تحقيق ضرب خمسة عصافير بحجر واحد :
 
1-فرض التعامل بمؤشر أسعار خامات الحديد الصيني ( CIOPI) وبالتالي التحكم في سوق العالمي لخامات الحديد؛
2- تمهيد الطريق لعالمية العملة الصينية رينمنبي؛
 
3-إعادة ترتيب السوق الداخلي بكنس المناجم الصغيرة وشركات السمسرة وخلق شركات أكثر قدرة على المنافسة في السوق الدولية؛
 
4-تقليص إنتاج الصلب وخلق فرصة تتيح للسوق الصيني استهلاك الفائض المتراكم من 2009 م ؛
 
5- خلق فرص خارجية لشركات الصينية للخروج إلى العالمية والذي هو أحد أهداف الخطة الخمسية الثالثة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية الصينية (2016-2020).
 
وقبل أن نختم لابد أن نشير إلى أن كل خسائر الصين خلال السنوات الخمسة الماضية يمكنها استرجاعها مستقبلا من فارق السعر فقط في حالة تم التعامل حسب المؤشر الصيني.. ففارق السعر بين المؤشر الصيني لأسعار خامات الحديد والمؤشرات الثلاثة الأخرى هو (2 إلى 4 دولار للطن).
 
............................................
د. يربان الحسين الخراشي - موريتانيا



داخلي اخبار
soy
العالمية - اسفل الاخبار
شريف ستيل- الاخبار

اخبار متعلقة

توقعات بزيادة صادرات الصين من النيكل بعد حظر بورصة لندن الإمدادات الروسية
المشاهدة(51)

تسود توقعات أن تزيد الصين صادراتها من النيكل إلى الخارج بعد أن حظرت بورصة لندن للمعادن الإمدادات الروسية الجديدة، وفقاً لشركة "مايستيل غلوبال” (Mysteel Global).المزيد

تدهور الطلب على النحاس تحذير صارخ لمرجحي إرتفاع أسعار المعادن
المشاهدة(155)

انخفض مقياس رئيسي للطلب على النحاس في الصين إلى الصفر، في إشارة أخرى إلى عدم التوازن بين الأسعار العالمية والسعر المقبول من المشترين في أكبر سوق للنحاس في العالم.المزيد

الحديد يرتفع لأعلى مستوى في 7 أسابيع بسبب "فورتيسكيو" والصين
المشاهدة(177)

ارتفع سعر خام الحديد إلى أعلى مستوى في سبعة أسابيع بعد أن قالت "فورتيسكيو" (Fortescue)، رابع أكبر شركة منتجة، إنها ترجح أن تكون شحنات العام بأكمله عند الحد الأدنى من الدليل الاسترشادي بعد أن أثرت الاضطرابات على...المزيد

اضف تعليق